30عاما مضت على ذكرى الغزو العراقي الغاشم للكويت .. لكن جراح الحرب لاتزال قائمة
على أعتاب ذكرى الاجتياح العراقي للكويت يجمع العراقيون على التداعيات السلبية الكبرى التي نجمت عن الغزو الغاشم، ويشيرون في تقرير أعدته وكالة «فرانس برس» إلى أزمات لا يزال العراق يدفع ثمنها حتى اليوم.
قبل ثلاثين عاماً، غزا صدام حسين دولة الكويت المجاورة وأعلنها «المحافظة رقم 19» للعراق، أما اليوم، فأعاد معارضوه، الذين باتوا في السلطة العلاقات مع الجار الاستراتيجي، لكن جراح حرب تحرير الكويت لا تزال قائمة بالنسبة للكويتيين والعراقيين.
من بغداد إلى البصرة، ومن كركوك إلى بابل، يجمع العراقيون على أن الغزو الذي بدأ في الثاني من أغسطس 1990 واحتلال الكويت، الذي انتهى 26 فبراير 1991 بتدخل من تحالف دولي قادته واشنطن «كان بداية النهاية».
تقول أم سارة، وهي مدرّسة متقاعدة من بغداد، إنه «منذ غزو الكويت لم نرَ استقراراً ولا أمناً، فالقائمة تطول بدءاً من الحصار، مروراً بالغزو الأميركي والحرب الأهلية والعنف الطائفي، وصولاً إلى اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية للبلاد».
تداعيات اقتصادية ومالية كبيرة نتجت عن الغزو العراقي للكويت ونتائجه، فالدينار العراقي الذي كانت قيمته يوماً تساوي ثلاثة دولارات، انقسم على تسعة آلاف.
ويقول جاسم محمد، المعلم بمدينة الكوت جنوب بغداد، إن راتبه كان يساوي فقط «سعر دجاجة في السوق»، فيما يقول ياسر الصفار الذي يبلغ من العمر 44 عاماً وكان شاهداً على سنوات الحصار، في بعض الأيام «أكلنا كل شيء في الحصار، حتى أعلاف الحيوانات حولناها غذاء».
ويقول البعض لـ«فرانس برس»، إن «الحصار غيّر أخلاقيات المجتمع، وكان الخطوة الأولى لخلق الفساد المالي والإداري في البلد»، الذي يحتل مراتب متقدمة اليوم في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم.
وعايش هشام البغدادي مرحلة تدني المستوى الطبقي لوالده، الذي كان من أهم مستوردي معدات البناء. ويقول: «بعد دخول العراق في حصار شديد وانهيار العملة وتوقف الاستيراد بشكل تام، فقد والدي عمله التجاري وكل الأموال التي كان لديه نقداً، قرابة مئة ألف دينار، أي ما كان يساوي ثلاثة ملايين دولار، وصارت فجأة بلا قيمة».
ويرى سرمد البياتي، الذي كان ضابطاً في الجيش في تلك الحقبة، أن الجيش خسر كل شيء، وعلى مرأى من كاميرات العالم أجمع الذي كان يواكب «عاصفة الصحراء»، معقباً: «في تلك الفترة كان الجنود يعودون إلى العراق مشياً! وبمجرد عودتهم كانوا يمتهنون أعمالاً صغيرة أثناء الإجازة لتغطية نفقاتهم».
ازدهار كويتي
وفي مقابل غرق العراق في الركود الاقتصادي، ازدهرت الكويت. لكن عائلات عدة لا تزال ترثي قتلاها ومفقوديها، ولا يزال السجناء السابقون يتحدثون عن التعذيب.
قامت عائلة أحمد قبازرد، أحد وجوه المقاومة الكويتية الذي تعرض للتعذيب وأعدم، بتحويل المنزل الذي دمره العراقيون جزئياً، إلى متحف صغير لأهوال الاحتلال. ورغم إعادة بناء المنزل اليوم، تقول ابنته شروق التي كانت في السابعة من عمرها وقتذاك: «لا أستطيع أن أقول إنني متصالحة مع نفسي في مشاعري مع الشعب العراقي، لكن هذا ليس ذنبهم، لقد اكتشفنا بعد سنوات أن العراقيين كانوا يعانون القمع وعانوا من الطاغية صدام حسين».
غيداء العامر شعرت أيضاً بـ«فرحة» عند سقوط نظام صدام في عام 2003، إذ تذكرت أختها التي شنقت «بواسطة سلك كهربائي بعدما أخذتها القوات العراقية بسبب انضمامها للمقاومة الكويتية».
سجلت الكويت كل الدمار وعمليات القتل والتعذيب والسجن، وحددت خسائرها، وقدمت الأمم المتحدة الفاتورة إلى العراق الذي دفع خلال 30 عاماً، 51 مليار دولار، ولا يزال مديناً للكويت بنحو أربعة مليارات دولار.
استغرق إصلاح العلاقات بين البلدين 20 عاماً، ولم ترفع الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها في عام 1990 إلا في عام 2010، أي بعد سبع سنوات من سقوط صدام حسين.
أما المفقودون، فلا يزالون بالآلاف وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم تتم إعادة سوى 215 كويتياً و85 عراقياً.
لكن بالصورة الكبرى، تحسنت العلاقات بشكل كبير بين البلدين، وفي عام 2018 استضافت الكويت مؤتمراً للمانحين لإعادة بناء العراق، وكانت أول من ساهم بمبلغ ملياري دولار.
لكن شروق قبازرد تلفت إلى أنه «لا يمكن أن أنسى الغزو»، مضيفة أن «الغزو يعتبر أهم مرحلة بالنسبة لجيلي يمكن أن نتسامح ونتصالح، لكن لا يمكن أن ننسى ما حصل».