النيابة العامة: أموال المشاهير مجرد شبهة أثارتها “وحدة التحريات”.. ولا جريمة غسل أموال
في تطور لافت على قضية تضخم حسابات مشاهير السوشيال ميديا، والتي قررت النيابة العامة، برئاسة النائب العام المستشار ضرار العسعوسي، في الأول من الشهر الجاري حفظها عن جميع المشاهير المُحالين من وحدة التحريات المالية، شددت النيابة العامة على أنها تضع أمر تطبيق القوانين المنظمة للإعلان التجاري عن السلع والخدمات بين يدي وزارتي الإعلام والتجارة والصناعة، للقيام بمسؤولياتهما نحو تطبيق أحكام القوانين، ومنح التراخيص اللازمة للحسابات الإلكترونية المعلنة لديهما، خصوصا بعد أن تقدموا إلى هاتين الوزارتين للحصول على التراخيص، ولم يجب لطلبهم.
وأكدت النيابة في قرار الحفظ، بحسب صحيفة «الجريدة»، أنه ثبت لديها، بما لا يدع مجالاً للشك، أن حسابات المشاهير التي أجريت التحقيقات بشأنها هي حسابات خصص جُلها للترويج للإعلانات التجارية، وخرجت عن مفهوم الحسابات الشخصية، ما يجعل نصوص القوانين المار ذكرها تنطبق على نشاطاتهم تمام الانطباق، ويلزم إخضاعها تحت مظلة القانون ورقابة الدولة، حتى لا تكون منفذاً لضعاف النفوس لتحقيق مآرب خارجة عن القانون.
قالت النيابة في أسباب الحفظ لجميع قضايا المشاهير التي حققت بها تحت إشراف المحامي العام المستشار رجيب الرجيب ومدير نيابة الأموال العامة حمود الشامي، إن الواقعة على النحو آنف البيان، وفي مجال التكييف القانوني، تثير قبل المتهمين شبهة جناية غسل الأموال المؤثمة بالمواد 1، 2/1 بند أ- ب، 27، 28، 40/2 من القانون رقم 106 لسنة 2013 بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وشبهة جنح الإعلان عن السلع والخدمات، وإدارة حساب إلكتروني مهني دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة وعدم القيد في السجل التجاري بصفتهم مباشرين لعمل تجاري المؤثمة بالمواد 1، 3، 5/14، 8، 13/1 من المرسوم بالقانون رقم 68 لسنة 1980 بإصدار قانون التجارة والمواد 1، 3، 19/4 من القانون رقم 18 لسنة 2018 بشأن السجل التجاري والمواد 1/5 – 6 -8، 25، 30/1، 31/3 من القانون رقم 39 لسنة 2014 بشأن حماية المستهلك والمواد 1، 5/1 بند 5-2 ، 6، 19/1 من القانون رقم 8 لسنة 2016 بتنظيم الإعلام الإلكتروني.
البحث القانوني
وتابعت: “بطرح الواقعة على بساط البحث القانوني، وكانت النيابة بصفتها الأمينة على الدعوى الجزائية، ولها ولاية إحكام الوقائع إلى صحيح ابتنائها القانوني، وفي سبيل أدائها لتلك الأمانة، فهي لا تقيم أشراكاً تحيطها بالشبهات، بغية نصب حبائل العقاب على المتهمين، بل تؤدي أمانتها بتمحيص وقائع الدعوى، وتقدير ما يستجمع لديها من أدلة، لتصل إلى صحيح التأويل ورجحان الدليل المؤكدة أو الطارحة لقرينة البراءة”.
الحسابات الشخصية
ولفتت إلى أنه لما كان ذلك، وكان نشاط الدعاية والإعلان من خلال الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي أغفلت وزارتا الإعلام والتجارة والصناعة تنظيمه وفق ما اتضح بتحقيقات النيابة، ومن ثم فلا سبيل للقول بارتكاب المتهمين للجنح المنسوبة إليهم في هذا الشأن، إذ إن نصوص القانون التي تجرمها لا يمكن القول بنفاذها ما لم تبادر الجهات المعنية بوضع الآلية التي تنظم ذلك النشاط، الأمر الذي يكون معه مباشرة المتهمين للنشاط المذكور دون الحصول على ترخيص من الجهات المختصة- فيما يخص الواقعة المطروحة فقط- ليس فيه مخالفة لأحكام القانون للأسباب المشار إليها، الأمر الذي تنتفي معه أركان الجنح المثارة، ويتعين استبعاد شبهتها من الأوراق على نحو ما سيرد بالمنطوق.
غسل الأموال
وقالت النيابة إنه بناءً على ما تقدم، فإن مسؤولية الجاني عن ارتكاب جناية غسل الأموال لا تتحقق إلا بإتيانهم لأحد الأفعال المبينة بنص المادة الثانية من القانون رقم 106 لسنة 2013 المار ذكره، والذي يهدف من خلاله إلى تمويه حقيقة المصدر غير المشروع للأموال محل الجريمة، والتي لا توصف بعدم مشروعية مصدرها إلا بتحصيلها من جريمة، بحسبان أن جريمة غسل الأموال هي جريمة لاحقة للجريمة الأصلية التي ينتج عنها ذلك المال، بما يستوجب معه أن تكون الجريمة الأصلية ذات أثر مالي أو يمكن تقويمه مالياً حتى تقع عليها أفعال جريمة غسل الأموال، والتي لا يكتمل بناؤها القانوني إلا بإقامة الدليل على وقوع مكونها الأساسي، وهي “الجريمة الأصلية”، وعلى كون الأخيرة منبع تلك الأموال المشبوهة، وإذ إن الأصل في الأموال مشروعية مصدرها منفياً عنها مظنة الإثم، ولا يمكن الانصراف عن ذلك الأصل أو النيل منه إلا بتوافر الدليل الكاشف لحقيقة الواقعة المجرمة مصدر المال غير المشروع، ومتى تعذر توافر ذلك الدليل فلا يمكن القول بقيام جناية غسل الأموال.
شبهة التحريات
وأوضحت النيابة: “لما كان الاتهام الموجه للمتهمين قائماً على الشبهة التي تولدت لدى وحدة التحريات المالية الكويتية، وفق ما قرره محلل مالي بالتحقيقات، من عدم اتساق حجم الأموال المتداولة في حسابات المتهمين مع ما يزاولونه من نشاط في مجال الدعاية والإعلان، ووجود العديد من الشيكات والتحويلات الواردة إليهم والصادرة إلى أشخاص وشركات مختلفة دون توافر أسباب أو مبررات لتلك التعاملات، وان حركة تلك الأموال في الحسابات هي التي رشحت وجود تلك الشبهة لعدم تقديم المتهمين ما يدل على مصدرها، وفي ضوء ما انتهت إليه النيابة على النحو المشار إليه آنفاً من استبعاد شبهة جرائم الإعلان عن السلع والخدمات وإدارة حساب إلكتروني مهني دون الحصول على ترخيص بذلك من الجهة المختصة، وعدم القيد في السجل التجاري، وبناء على ما أجرته النيابة من تحقيقات حول الواقعة، فإنها لم تكشف عما يؤيد شبهة جريمة غسل الأموال المثارة في الأوراق، إذ لم ينفِ موظف وحدة التحريات المالية، سالف الذكر، مباشرة المتهمين لعمل مشروع في مجال الدعاية والإعلان، وقد تولدت لديه تلك الشبهة فقط لعدم تناسب ما يدره العمل في ذلك المجال من مكاسب مع الأموال التي حصلها المتهمون في حساباتهم، ولأنهم لم يقدموا ما يدل على مشروعية تلك الأموال، وهو ما نال منه ما دلت عليه تحريات إدارة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بجهاز الأمن الوقائي، بأن المتهمين احترفوا ذلك النشاط من خلال حساباتهم على موقعي التواصل الاجتماعي (سناب شات) و(إنستغرام) بترويجهم لمنتجات بعض الشركات والأشخاص من السلع والخدمات المختلفة عن طريق نشر صورها أو مقاطع فيديو مصورة لها على الحسابين آنفي الذكر، وأنهم تحصلوا نظير ذلك على مبالغ مالية كبيرة أدت إلى تضخم ثروتهم، ولم تسفر التحريات عن عدم مشروعية مصدر أموالهم”.
مصدر دخل
وقالت النيابة إنه علاوة على ما تقدم، فإن المتهمين في معرض دفاعهم عن أنفسهم نفوا عدم مشروعية مصدر أموالهم، واعتصموا بإنكار ما نُسب إليهم من اتهام، وأقروا بإجرائها واستقبالها جميع العمليات المالية محل الحركة الدائنة والمدينة بحساباتهم البنكية، وأضافوا أنهم احترفوا العمل في مجال الدعاية والإعلان عن السلع والخدمات المختلفة عبر الحسابات آنفة الذكر، باعتبارهم من المشاهير في هذا المجال، وأصبح ذلك العمل مصدر دخلهم الأساسي، وأن المبالغ بحساباتهم هي مستحقات من الشركات التي تعاقدوا معها للترويج للسلع والخدمات الخاصة بها، وقد أيد ذلك وعزز ما قرره رئيس قسم الشؤون الفنية بالإدارة العامة للخبراء بوزارة العدل، أنه بتنفيذه لمأمورية النيابة العامة بشأن فحص المستندات والحسابات البنكية لإحدى الشركات أسفر عن وجود شيكات صادرة للعديد من المتهمين نتيجة ارتباطهم بعدد من العقود للتسويق والترويج للسلع والخدمات التي تقدم من خلال نافذتهم الإلكترونية – البوتيك- وانتهى إلى أن جميع المبالغ المصروفة من تلك الشركة إلى المتهمين ثابتة بدفاترها وسجلاتها، الأمر الذي سرعان ما تنحسر معه شبهة جريمة غسل الأموال المثارة، مما يتعين معه والحال كذلك استبعادها من الأوراق.
وبينت النيابة أنها تشير تتمة لقرارها إلى أن اضطلاعها بمسؤولية حمل أمانة تمثيل المجتمع بأطيافه كافة – باعتبارها أحد المدافعين عن حقوق أفراده ومنهم المتهمون أنفسهم – يجعلها تسعى دائماً إلى إيجاد السبل القانونية لحل المشكلات التي أفرزها واقع الحياة المتطور فيما يتعلق بتطبيق أحكام القوانين، وكان تطبيق تلك الأحكام ليس منوطا بها وحدها، فهو أيضا مسؤولية جميع مؤسسات الدولة التنفيذية منها وغير التنفيذية، ولما كانت الحسابات الإلكترونية قد صارت- في ركب التطور التكنولوجي – وسيلة للتكسب ومصدراً للدخل، وأصبح أصحابها يمتهنون من خلالها أعمالاً عديدة، ومنها الترويج للإعلانات التجارية الإلكترونية.
تنظيم الإعلانات
وقالت النيابة: “القانون رقم 2 لسنة 1995 في شأن البيع بالأسعار المخفضة والدعاية والترويج للسلع والخدمات نص في المادة الأولى منه على اختصاص وزارة التجارة والصناعة بالتنظيم والإشراف والرقابة على جميع الإعلانات التجارية الخاصة بترويج السلع والخدمات، وحظر في المادة الثانية على أصحاب المحلات والمؤسسات والشركات التجارية، أياً كان نوع نشاطها، القيام بأي من الأعمال المنصوص عليها في المادة الأولى إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة التجارة والصناعة يحدد فيه تاريخ بداية العمل ونهايته. كما أن القانون رقم 39 لسنة 2014 بشأن حماية المستهلك لم يجز وفق نص المادة 25 منه الإعلان عن السلع والخدمات إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من الجهات الإدارية المختصة، وعاقب كل معلن يخالف أحكامه بموجب نص المادة 30 منه”.
وأوضحت أن القانون رقم 8 لسنة 2016 بتنظيم الإعلام الإلكتروني أورد في مادته الأولى تعريف الخدمات الإعلانية الإلكترونية، بأنها “المحتوى المتضمن الترويج لأعمال، أو خدمات، أو منتجات، أو لأشخاص، من خلال شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) أو أي شبكة اتصال أخرى”، وتضمنت مادته الخامسة تحديد نطاق سريان القانون، وعددت المواقع والوسائل الإعلامية الإلكترونية، واستثنت منها النطاق، أو الموقع، أو الوسيلة، أو الحساب الإلكتروني الشخصي الذي لا يتصف بالمهنية المتخصصة. وقد نظمت المادة السادسة، وما بعدها من القانون، الإجراءات الواجب اتباعها في ترخيص تلك المواقع، وأوجبت على كل من يرغب في إنشاء أو تشغيل أي من المواقع أو الوسائل الإعلامية الإلكترونية المذكورة في المادة الخامسة من القانون الحصول بترخيص من وزارة الإعلام.
التجارة الإلكترونية
ولفتت النيابة إلى أنه تلاحظ لها من خلال التحقيقات التي أجرتها في الوقائع المتعلقة قيام بعض الأشخاص بمباشرة الإعلانات التجارية الإلكترونية من خلال حساباتهم الشخصية الإلكترونية، قد أسفرت- من واقع الاطلاع على تلك الحسابات وفحص محتواها – عن أن هؤلاء الأشخاص أصبحوا من المتخصصين في ذلك المجال، وجذبوا إليهم الكثير من المتابعين، وقد أقروا بتحقيقات النيابة بذلك، وبحصولهم على مقابل ترويجهم لتلك الإعلانات التجارية بحساباتهم، وأصبحت هي مصدر دخلهم الأول.
ولما كان ذلك، وكان الثابت أن هؤلاء الأشخاص قد لجأوا إلى وزارتي الإعلام والتجارة والصناعة لتقنين أوضاعهم القانونية، بغية الحصول على ترخيص يسمح لهم بممارسة ذلك النشاط وإضفاء الشرعية عليه، إلا أنه لم يتم إجابتهم إلى طلبهم، ومن ثم فإن النيابة العامة تضع ذلك الأمر بين يدي وزارتي الإعلام والتجارة والصناعة للاضطلاع بمسؤولياتهما نحو تطبيق أحكام القوانين المنظمة للإعلان عن السلع والخدمات من جانب الشركات المعلنة ووضع نصوصها حيز التنفيذ، ومنح التراخيص اللازمة للحسابات الإلكترونية المعلن لديها، والتي ثبت لدى النيابة، بما لا يدع مجالاً للشك، أنها حسابات خصص جلها للترويج للإعلانات التجارية، وخرجت عن مفهوم الحسابات الشخصية، مما يجعل نصوص القوانين المار ذكرها تنطبق على نشاطاتهم تمام الانطباق، ويلزم إخضاعها تحت مظلة القانون، ورقابة الدولة، حتى لا تكون منفذاً لضعاف النفوس لتحقيق مآرب خارجة على القانون.