الموجة الرابعة.. ألمانيا على وشك تعطيل كامل للحياة العامة
هل تحذو ألمانيا حذو النمسا بفرض إغلاق تام للحياة العامة بسبب تفشي الموجة الرابعة من جائحة كورونا؟ إجراء قاسي يتردد السياسيون في فرضه أمام المعارضة الشعبية، غير أن هناك مؤشرات تؤكد توجه ألمانيا للإغلاق الشامل.
يتفاقم الوضع الوبائي باطراد في ألمانيا حيث بلغت نسبة الإصابات بفيروس كورونا المستجد في هذا الخريف مستويات قياسية، بشكل لم يعد معه مفر من حجر صحي شامل. وذكرت تسريبات نقلتها تقارير صحافية متطابقة أن العديد من الولايات الألمانية لم تعد ترى من خيار آخر، وفق ما أوردته صحيفة “بيلد” الشعبية الواسعة الانتشار في عددها الصادر أمس الخميس، أنه خلال اجتماع داخلي بين رئيس مكتب المستشارة أنغيلا ميركل، هيلغه براون ورؤساء مستشاريات الولايات الاتحادية قوله إن “الإغلاق الشامل” لم يعد خيارا مستبعدا. والسبب هو أن قاعدة (2G) والتي تسمح للملقحين والمتعافين بارتياد الأماكن العامة كالمطاعم وغيرها، ينقلون أيضا، وفقا للخبراء، الفيروس ويساهمون في انتشاره، وفقاً لـ «دويتشه فيله».
من جهتها، ذكرت وكالة (د.ب.أ) في نسختها الألمانية أن براون ضغط على الأحزاب الثلاثة المكونة للائتلاف الحكومي قيد التشكل المسمى بـ”إشارة المرور” والمكون من (الاشتراكيين الديموقراطيين والليبراليين الأحرار والخضر) بقوله “هذا يكفي.. إما أن تصدر إشارة المرور قانونًا أو نحتاج إلى مؤتمر لرؤساء الوزراء يقرر إحداث مكبح طارئ واضح”.
وبالنظر إلى هذا الوضع الكارثي ترى المستشارة المنتهية ولايتها أنغيلا ميركل أن الإجراءات الحالية غير كافية. وقالت ميركل في مؤتمر صحفي على هامش اجتماعها مع رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيتسكي في برلين (25 نوفمبر) “كل يوم مهم بالنسبة لنا” دون الخوض في طبيعة الإجراءات التي تسعى إليها، غير أنها استطردت موضحة “نحن بحاجة إلى المزيد”، كما ألمحت إلى قواعد التباعد والقيود المتبعة في دول أخرى. وذكرت أيضا أنها بحثت الوضع مع خليفتها المنتظر أولاف شولتس بهدف بلورة الخطوات اللازمة في المرحلة الانتقالية الحالية واصفة الوضع الحالي بـ”الخطير” وأن على الجميع الحرص على عدم إثقال كاهل المستشفيات. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “تاغستسايتونغ” اليسارية “من أجل كسر شوكة هذه الموجة الرابعة والتخفيف من الضغط على المستشفيات والعدد الكبير من الإصابات والوفيات بكورونا، فإن الحجر الصارم أمر لا مفر منه. هذه هي الحقيقة المرة: عيد الميلاد سيكون فظيعًا”. ووفق بيانات معهد كوخ الألماني للأمراض المعدية وصل عدد الإصابات اليومية إلى مستوى قياسي غير مسبوق: 76.414 إصابة جديدة يوم الجمعة وحده، فيما تجاوز عدد الوفيات منذ ظهور الوباء حاجز الـ 100 ألف شخص.
قلق من الموجة الرابعة ومتحول جنوب إفريقيا
عبر خبراء عن قلقهم ليس فقط من حدة الموجة الرابعة التي تضرب ألمانيا وعدد من البلدان الأوروبية الأخرى، ولكن أيضا من ظهور سلالة جديدة من الفيروس أكثر عدوانية في جنوب إفريقيا. وبات واضحا أكثر من أي وقت مضى أنه لا مفر من الحجر الكامل. إنه خوف وذعر تهتز له ألمانيا وأوروبا وبهذا الصدد نقل موقع “فوكوس أونلاين” عن عالم الأوبئة الألماني ألكسندر كيكولي من جامعة هاله-فيتنبرغ قوله “علينا أن نعترف بأنه لم يعد من الممكن إيقاف الموجة الرابعة دون إغلاق كامل”.
في الوضع الحالي أمامنا خيارات قليلة لحماية كبار السن والأشخاص الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة. وطالب الخبير “يجب اغتنام هذه الفرصة.. إنها أولوية قصوى”. خبير الفيروسات مارتن ستورمر من مختبر “IMD” في فرانكفورت ذهب في نفس الاتجاه وقال “لن يكون بوسعنا تفادي خيار الحجر التام بسبب الوضع الحالي”. واعتبر أن هذا الخيار هو الوحيد الذي يمكنه الآن خفض انتشار الفيروس بسرعة وموثوقية. وذهب خبير الفيروسات فريدمان ويبر من جامعة “يوستوس لبيغ” في غيسن في مقابلة مع نفس الموقع بقوله “من وجهة نظر وبائية، الإغلاق الصارم هو الحل الأفضل للجميع”.
صحيفة “غيلاندس بوستن” الدنماركية اليمينية الليبرالية (22 نوفمبر) علقت وقالت “بدأنا الحديث عن كورونا باعتباره شيئا من الماضي واعتبرنا أن الذعر والخوف وانعدام الثقة باتوا وراءنا، وعاد العناق بين الناس. لكن الصيف انتهى وعادت معه كورونا. المعادلة الصعبة تكمن الآن في كيفية الحفاظ على مجتمع مفتوحً حيث لا يحتاج أحد إلى الإغلاق وبطريقة ما يبقي الفيروس تحت السيطرة (..) فيروس كورونا لن يختفي في الوقت الحالي. علينا التعود على التعايش معه”.
“أخطر أزمة صحية تعرفها ألمانيا على الإطلاق”
هكذا وصف زعيم حزب الخضر روبرت هابيكالوضع الوبائي في ألمانيا (25 نوفمبر) على هامش مشاركته في منتدى للحزب يشمل الهيئات الإقليمية والاتحادية. ولم يستبعد بدوره تشديد الإجراءات بسرعة ضد الجائحة. وأضاف أنه إذا تعذرت السيطرة على الوباء بالإمكانيات الحالية “فسيتعين اتخاذ إجراءات أخرى في غضون الأيام القليلة المقبلة”. واستطرد هابيك، المرشح لشغل منصب وزير الاقتصاد في الحكومة المقبلة، “قد نبدأ هذه الحكومة بأسوأ أزمة صحية شهدتها ألمانيا على الإطلاق”. وأكد أنه يجب أن يكون من الممكن بالفعل كسر الموجة الرابعة من الجائحة وشجع مواطني بلاده على التطعيم والحفاظ على التباعد الاجتماعي وتفادي التجمعات.
وتعرف المستشفيات الألمانية أوضاعا كارثية خصوصا في ولايات ساكسونيا، تورينغن، بافاريا وبراندنبورغ حيث امتلأت الأسرة وتم البدء في نقل المرضى إلى ولايات أخرى، بدأت بدورها تعاني من التدفق القياسي للمصابين. وحتى أفضل نظام صحي في العالم لا يمكنه التعامل مع مثل هذا الوضع، وبالتالي بات الحجر التام خيارا لا مفر منه. والسؤال المطروح هو من المسؤول عن هذا الوضع؟ ولماذا تفاقم الوباء بهذا لشكل رغم توفر اللقاحات بكميات كبيرة؟ موقع “شبيغل أونلاين” (26 نوفمبر) كتب بهذا الشأن محذرا “قواعد G3 (التلقيح، التعافي أو الاختبار لارتياد الأماكن العامة) لم تعد كافية لمواجهة الموجة الرابعة. وتبدو التنبؤات الجديدة لنماذج خبراء الفيروسات والأطباء قاتمة وكلها تشير إلى أن ألمانيا مقبلة على كارثة”.
النمسا لن تبقى البلد الوحيد “المغلق” في أوروبا
أقدمت النمسا على تعطيل شامل للحياة العامة في رابع إغلاق في البلاد منذ ظهور جائحة كورونا لتكون بذلك أول دولة في أوروبا الغربية تقدم على هذه الخطوة في ظل وفرة اللقاحات وضمن ما بات يسمى بالموجة الرابعة من انتشار الفيروس. وأقرت فيينا إغلاق جميع أماكن التجمعات كالفنادق والمقاهي والمتاجر والمطاعم والملاعب الرياضية وغيرها، لمدة عشرة أيام ربما تمدد لعشرين يوما. وذهبت السلطات النمساوية لحد إغلاق أسواق عيد الميلاد ما يؤكد خطورة الوضع الوبائي وصعوبة احتوائه بالتلقيح وباقي قواعد التباعد اللينة. وفرض الحجر على النمساويين الذين يناهز عددهم تسعة ملايين نسمة باستثناء حالات معينة مثل شراء الحاجيات الضرورية للحياة اليومية أو ممارسة الرياضة أو الهيئات الصحية. المفارقة في الحالة النمساوية هو أن هذا الخيار كان مستبعدا تماما، فقبل وقت غير بعيد، أعلن المستشار السابق سيباستيان كورتس انتهاء الوباء خصوصا بالنسبة للملقحين. غير أن نسبة الملقحين في النمسا لا تزال متدنية (66%) بالمقارنة مع دول كإيطاليا وفرنسا وإسبانيا.
وأمام تفشي الوباء والضغط على وحدات العناية المركزة، اضطرت الحكومة النمساوية إلى هذا الإجراء الراديكالي والذي لا يلقى شعبية كبيرة، بل وذهبت أبعد من ذلك إذ قررتإلزامية التلقيح اعتبارا من الأول من فبراير/ شباط من العام المقبل.
فهل تذهب ألمانيا في نفس الاتجاه؟ وبهذا الشأن علقت صحيفة “نويه تسوريخر تسايتونغ” السويسرية بالقول “بالطبع، هذه الخطوة تؤكد فشل جميع المحاولات لإقناع الأشخاص غير المحصنين بالتلقيح. لذلك تسعى الحكومة لفرض إجراء جذري كمخرج ويتعلق الأمر بالتطعيم الإجباري (..). هذه نتيجة منطقية، لأن الإغلاق ليس سوى استراحة لالتقاط الأنفاس وليس استراتيجية في حد ذاتها. ويبقى السؤال مفتوحا حول كيفية تنفيذ اللقاح الإجباري وكذلك مدى توافقه مع الدستور. لكن الواضح أن هذا الموضوع يعمق الانقسامات في المجتمع بشكل خطير. إن الإغلاق هو إعلان إفلاس من قبل السياسة النمساوية (..) على عكس البلدان الأخرى، لم يكن من الممكن إقناع جزء كبير من السكان بالتطعيم (..). هذا فشل صارخ يمكن رؤيته أيضا في سويسرا وألمانيا”.
أوروبا بؤرة وباء ـ احتجاجات، فوضى، عدم يقين..
تحولت أوروبا مرة أخرى إلى بؤرة عالمية للوباء وإن كان مركز الموجة الرابعة يشمل دولا مختلفة نسبيا عن تلك التي عرفتها الموجة الأولى قبل عامين تقريبا. وتصطدم السياسات الحكومية الأوروبية باستياء واسع في الشارع، إذ اندلعت احتجاجات في بلدان كهولندا وبلجيكا التي أعلنت فيها الحكومة تعميم وضع الكمامة كما تسعى لفرض العمل عن بُعد إلزاميًا للوظائف التي تسمح بذلك. وفي جزر الأنتيل الفرنسية، اندلعت مظاهرات ضخمة لمعارضي “الشهادة الصحية” والتلقيح الإجباري للعاملين في القطاع الصحي. وبهذا الصدد كتب موقع “تاغسشاو” التابع للقناة الألمانية الأولى (25 نوفمبر) “الوباء لم ينته بعد. الفيروس يتحور وينتشر بسرعة فائقة. على الرغم من ارتفاع معدلات التطعيم في جميع أنحاء أوروبا مقارنة بالصيف، فقد أصبح من الواضح الآن أن تأثير اللقاحات يتلاشى بعد أربعة إلى ستة أشهر، أي بسرعة أكبر مما كان متوقعًا”.
من جهتها، حذرت صحيفة “برافدا” السلوفاكية الليبرالية اليسارية من الشكوك غير المبررة بشأن التلقيح قائلة “علينا أن ندرك أننا في حرب عبر أوروبا. لا يستخدم المعتدي أي قوات برية أو طيارين فالعدو غير مرئي. لا يمكن رؤيته إلا تحت المجهر. الواقع هو أن الفيروس الخبيث قوي كما لو أن جيشًا غازيا يقتل الآلاف من الأوروبيين كل يوم (..). الرد على الإرهاب الذي يفرضه الوباء هو تشديد الإجراءات مع الإغلاق باعتباره أقوى هجوم مضاد. لكن بمجرد رفع الحجر، سيعود الفيروس القاتل بقوة تدميرية أكبر (…) مثل أي حرب، فالأمر يتطلب خطوات غير عادية”.