هل يؤدي الانسحاب الأميركي المتوقع إلى شرق أوسط جديد؟ العالم سيشهد ميلاد نظام جغرافي سياسي جديد في المنطقة أقل استقرارا وينطوي على عدد كبير من الأطراف الفاعلة ومستقبل أكثر غموضا

0

لا شك أن العامل الرئيسي الأكثر تفسيرا للجغرافيا السياسية الناشئة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط هو توقع انسحاب الولايات المتحدة منها.

وبإمكان الحلفاء والأعداء، على السواء، فهم ما تكشفه استطلاعات الرأي الأميركية، فالأميركيون يريدون في حقيقة الأمر أن تقوم بلادهم بدور أقل في الشرق الأوسط، وأعربوا عن رأيهم هذا في العديد من دورات الحملات الرئاسية.

ويقول وليام ويشسلر، مدير برنامج الشرق الأوسط بالمجلس الأطلسي الأميركي للأبحاث إن الأهم من ذلك هو أن الأطراف الفاعلة في المنطقة تعاملت مع ثلاثة رؤساء أميركيين متعاقبين تخلو عن الدور الأميركي التقليدي المتمثل في الحفاظ على الوضع القائم في الشرق الأوسط، وفعل كل منهم ذلك بطريقة مختلفة.

ويرى ويشسلر أن توقيتات الانتخابات الأميركية، وليس الاستراتيجية، هي الدافع وراء القرارات الخاصة بتخفيض عدد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان.

ويضيف ويشسلر، الذي كان نائبا سابقا لمساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون العمليات الخاصة ومكافحة الإرهاب، في تقرير نشرته مجلة «ذا ناشيونال انتريست» الأميركية أن الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط تسمع الإصرار المتكرر للرئيس دونالد ترامب على أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بالحفاظ على التدفق الحر للطاقة، وهو أمر كان يعد من أساسيات الوجود الأميركي طوال أربعين عاما.

وتشهد الأطراف الفاعلة الخلل العميق في السياسة الأميركية والتصدع المتزايد في المجتمع الأميركي، وهو ما يدفعها إلى التساؤل عن المدة التي ستظل فيها الولايات المتحدة قادرة على قيادة المنطقة، ولذلك فهي تقوم بالفعل بالاستعداد لهذا المستقبل.

ونتيجة لذلك، يشهد العالم ميلاد نظام جغرافي سياسي جديد في الشرق الأوسط. وهو نظام من المرجح أن يكون أقل استقرارا حتى من النظام الخطير الذي أصبحت المنطقة معتادة عليه، نظام ينطوي على عدد كبير من الأطراف الفاعلة ومستقبل أكثر غموضا. ولكن معالم هذا النظام أصبحت الآن محورا للتركيز.

ويقول ويشسلر إن الصين محرك اقتصادي دائم بالنسبة لجميع دول الشرق الأوسط، وهي شريك تجاري أساسي بالنسبة لمعظمها، ومستهلك لا غنى عنه للطاقة بالنسبة لبعض هذه الدول. ولكن لم تصبح بعد لاعبا مهما في الجغرافيا السياسية للمنطقة.

ومن المحتمل أن تتحرك في هذا الاتجاه في العقود المقبلة عندما تستخدم الصين ذات النشاط التجاري المتزايد أسطولها البحري المتنامي لحماية شريان الطاقة بالنسبة لها.

وفي المقابل، هناك ثلاث دول أخرى غير عربية، هي: إيران وتركيا وروسيا، تسعى بالفعل لملء الفراغ الناجم عن الاحساس بالانسحاب الأميركي المرتقب.

وبالنسبة لإيران، فإنها طوال العقدين الماضيين وبفضل الأخطاء الاستراتيجية الأميركية، زادت من وجودها ونفوذها في العراق، وسورية، ولبنان، واليمن، وأفغانستان.

فإيران تعمل إلى جانب الوكلاء الذين يعملون لصالحها وتمدهم بالأسلحة الدقيقة لاستهداف المدنيين في إسرائيل ومنطقة الخليج، كما تقوم بتنفيذ عمليات سرية لزعزعة الاستقرار في المجتمعات التي تضم مواطنين شيعة. وقد استخدمت مؤخرا القوة العسكرية المباشرة عبر الحدود وفي المياه الدولية.

ويبدو أن قرار أميركا استخدام طائرة مسيرة لقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني جعل إيران أقل استعدادا لتهديد الأميركيين علانية، رغم أنها تواصل هدفها المنشود، وهو طرد الولايات المتحدة من المنطقة.ويرى ويشسلر أنه، بدون جدال، يتعين على الولايات المتحدة إعادة تأكيد دورها الإقليمي، وتصحيح حجم تواجدها واستراتيجيتها، وتجنب التخلي عن المنطقة لصالح آخرين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.